top of page

جاك العظيم

  • محمد عبدالتواب
  • Apr 17, 2016
  • 12 min read

في طفولتنا نحتفظ ببعض الذكريات التي قد تكون مثل النقوش الفرعونية الصامدة التي تعيش بداخلنا حتي الموت ونتذكرها دائماْ بسبب الحنين المطلق لها فلدي الكثير من الذكريات ربما تعود إلي فترة بدايات طفولتي والتي أتذكرها جيداً كأنها حدثت بالأمس وكلما تذكرتها تذكرت الإبتسامة والضحكة التي أفتقدها كثيراً في تلك الأيام مثل حكايتي مع أول وآخر كلب في حياتي.

كنت في بداية المرحلة الإبتدائية وكان للبيت فناء خلفي به عدة حجرات وكل حٌجرة تمثل شيء أساسي في حياة والدتي مثل حجرة الغسيل وحجرة الفرن الطيني وكان في منتصف الفناء شجرة توت رائعة ضخمة كبيرة مٌحملة بالكثير من التوت بلونة الحمر الداكن, كانت تلك الشجرة هي منزلي وسكني الدائم حيث كنت أقضي معظم وقتي اتسلقها لكي ألتقط التوت وأكلةُ بدون غسيل بما عليه من أتربة حتي كنت أحياناْ أشعر أنني أكل الغُبار والتراب أكثر من التوت نفسه, كم تمزقت ثيابي تلك من أغصان تلك الشجرة و من كثرة السقوط الحر المتكرر من تلك الشجرة حتي أن أمي كانت تلقبني بقرد الشجرة وتندب حظها أنها قد أنجبت طفل أهبل أو ربما أنها في الحمل قد توحمت علي قرد أو موز مثلاً.

في تلك الفترة كانت هنالك فتاة تساعد أمي في المنزل تدعي ( حلاوتهم ) بالرغم أن إسمها يدل علي علاقتها الوثيقة بالجمال الباهر والفاتن إلا إن جمالها جمال أفريقي أصيل لم يعرف اللون الأبيض طريقة إلي بشرتها كذلك شعرها أحياناً كنا نستخدمه كسلك مواعين من النوع الممتاز لكنها في الحقيقة كانت تحبني وتدللني كثيراً وتلبي أوامري بدون أن تعرف أمي أي شيء عن ذلك لأنني كنت أتسكع مثل حياة البوهيمين أو يمكن القول متشرد من الدرجة الأولي.

ليست حلاوتهم فقط هي التي كانت تلازمني بل كل إخواتها البنات كانوا يأتون إلي بيتنا لمساعدة أمي لأنهم كانوا يشعروا أن أمي مثل الأخت الكبيرة لهم فكنت في صغري أري الكثير من النساء داخل بيتنا حيث حلاوتهم وخالاتي اللاتي كانوا تقريباْ في نفس العمر والكل يقدر دور أمي ويجلها لأنها كانت صاحبة ذكاء ودهاء وشخصية قوية لا غبار عليها.

في يوم من الأيام أتت حلاوتهم إلي المنزل ومعها ضيف جديد غريب عن المنزل عبارة عن كلب صغير أبيض اللون هدية لي لكي ألهو به وأمنحه حنان الأب الذي فقده منذ الصغر, لكن والدتي رفضت ذلك رفضاْ باتاْ ولكن أخبرتها حلاوتهم أن هذا الكلب من عائلة ملكية عريقة صاحبة جاه ومال وأن هذا الكلب كان ولي العهد وأن أختها قد سرقته لكي تحميه من أعدائه ولكن والدتي أصرت علي رفضها وأنا صممت أن أحتفظ بولي العهد هذا ربما لإحساسي بأنني أيضاً من عائلة ملكية عريقة وأنني أخُتطفت منذ الصغر مثل هذا الكلب وربما أعود يوم ما إلي مملكتي مع هذا الكلب واتنكر لكل هؤلاء الحُثالة وأتذكر مافعلوه معي في طفولتي من حرمان من اللهو والتسكع في الشوارع طوال الوقت.

كان دائماْ لدي هذا الشعور أنني لا أنتمي إلي تلك الأسرة وأنني صاحب شأن عظيم وكنت دائماْ أخبر أصدقائي أنني في الأصل ليس مصري بل ألماني المولد والجنسية وأنني أمتلك شعر ذهبي اللون وعيون زرقاء مثل لون البحر وأمتد هذا الشعور معي لفترة طويلة ربما لأنني لم أكن أنظر في المرآة كثيراً أو أن هذا التغيير سببة أنني عندما أعود إلي ألمانيا سوف أسترد شعر الذهبي ولوني الأبيض وعيوني الزرقاء وأن تلك التغييرات التي حدث بسبب أنني كنت أكرهه الإستحمام والنظافة عموماً حيث كان بيني وبينة تار ولم أكن أستحم سوي في الأعياد فقط بسبب الثياب

. الجديدة ومن أجل الحصول علي العيدية

كنت مقتنعاً تماماً بتلك النظرية حتي عندما قررت في يوم ما أن أستحم لمدة أسبوع كامل لكي أستعيد جمالي الأوربي مرة أخري وهنا كانت الصدمة فبرغم كل المعاناة والعذاب الذي عانيت منه خلال هذا الأسبوع فأنا لم أتغير في شيء نفس الملامح الصعيدية الرائعة المتضخمة في بعض الأجزاء الغير مُتناسقة تماماً كأن والدتي قد إستعارتها من ملامح أخوتي وصنعت مني هذا الفتي لكنني في نهاية الأمر أقنعت نفسي بأن ملامحي الحقيقة هي أوروبية المنشأ.

بعد مباحثات متعثرة أعتقد أن مباحثات اليهود والفلسطينين كانت أسهل من تلك المباحثات مع أمي حيث في بداية الأمر خيرتني ما بين أن أعيش أنا داخل المنزل والكلب خارج المنزل أو العكس الكلب داخل المنزل وأنا خارج المنول فإختلات أن أكون انا والكلب داخل المنزل والدتي خارج المنزل ولكن بعد مفاوضات عنيفة إنتهت بثيابي ممزقة وجنتي ملتهبتان من كثرة مُصافحة والدتي لهما وبكائي الشديد من آثر التعذيب إتفقنا أن هذا الكلب يبقي في الفناء ولا يدخل المنزل ولو حدث هذا مصيرنا نحن الأثنين الرجم بالشباشب حتي الثمالة.

وأنا أعلم جيداً أن أمي لن ترحمني وتنتظر تلك اللحظة لكي تطردنا نحن الأثنين أنا وجاك خارج البيت لأنها غير مقتنعة بالمرة بوجود كلب أو بوجودي أنا أيضاً في البيت.

كان صغير الحجم مازال رضيع لونه أبيض ببقع صفراء صغيرة متناثرة علي أجزاء من جسده ,كان يبكي لشعوره بالغُربة و إحساسه أن مستقبله قد ضاع منذ البداية عندما علم أنه سوف يعيش مع صبي ضايع من عامة الشعب صعلوك يتسلق الشجرة طوال اليوم يقتات علي حبات التوت الممزوجة بالغبار وأشياء أخري

وهو يأكلها وملامح البلاهة ترتسم علي ملامحه, طفل مثلي حافي القدمين ويبدو من ثيابه أنه متشرد طوال اليوم.

عندما قذفت الكُرة له أخذ يلعب بها كأنه ملك يلهو مع عامة الشعب وشعرت أن هذا الكلب ربما يكون أذكي من كثير من أصدقائي فأطلقت علية لقب (جاك) وواجهتني أول مشكلة مع جاك وهي ما نوعية الغذاء المناسب له؟!! فسألت حلاوتهم سؤال غبي قائلاً :

ــ حلاوتهم هو بيحب سندوتشات الحلاوة ولا الجبنة بجرجير وشوية مخلل ؟!!!!

تطلعت حلاوتهم لي لبرهة ثم قالت لي :

ــ بذمتك فيه كلب صغير إبن ناس ياكل سندوتشات جبنة ومخلل ؟!!!!

نظرت لها بتعجب شديد قائلاً :

ــ أوعي تقولي عاوز ساندوتشات بطنجان وعجة مثلاً

وعندما لم تجد أن هنالك فرصة أنني أفكر مثل باقي البشر وأنها ندمت للحظات أنها أحضرت هذا الكلب ليعيش مع طفل يمتاز بغباوة

تتساوي مع غباء جحش صغير لذلك في نهاية الأمر أخبرتني أنه مازال صغيراً ويحتاج إلي لبن فقط

هنا كانت المشكلة كيف أقنع أمي أن تعتبر هذا الجرو فرد من العائلة لكي تمنحه القليل من الطعام ولو علي حساب والدي أو تشتري لبن من أجله لأن الإتفاق لم يشمل تلك المصاريف الجديدة , في الواقع لم أستطع أن أتجئر وأصارح والدتي في ذلك الأمر.كنت مازلت صغيراً لم أتحمل مسؤلية أي شيء من قبل وخاصةً حيوان صغير رضيع فكل مافكرت فيه هو أن أمتلك هذا الكلب ويكون بجواري مثل باقي ألعابي ولكن من الآن فصاعد فأنا مسؤل عنه في كل شيء أنا وليس شخص آخر معي.تفتق ذهني بفكرة جهنمية عندما رأيت برام الأرز الفخاري والذي يمتلأ باللبن وتعده والدتي للغذاء فقمت بإستبدال اللبن بالماء وأخذت اللبن لجاك العظيم ولم تشعر والدتي بتلك الكارثة حيث تجمعنا وقت الغذاء ووجدت والدتي برام الأرز مثل العجينة البيضاء أو بمعني أصح مثل الغراء الأبيض وأتذكر أن أخي الأكبر لم يستطع أن يفتح فمه لمدة يومين بسبب ذلك الأرز العجيب وتسببت في مٌشكلة عظيمة حيث أننا لم نأكل يومها وفي تلك اللحظة تصنعت دور الملاك الصغيرة وأعلنت تعاطفي مع والدتي ضد والدي وأخوتي وأنهم يجب أن ياكلوا هذا الأرز تضامناً مع والدتي وأكلت هذا الأرز علي مضض وأنا أبتسم لوالدتي وأضحك ضحكات هيستيرية والدتي تظن أنني سعيد بهذا الأرز وأنا في واقع الأمر أتالم بشدة من معدتي التي كادت أن تنهار.كررت هذه الجريمة لعدة أيام بدماً بارد وفي كل يوم أعلن تضامني مع أمي حتي لاتشعر أنني الملاك الصغير وراء كل هذه الخسائر اليومية والمعارك الطاحنة التي كانت تحدث بين أمي وأبي وقد وصلت المعارك في نهاية الأمر إلي تتطاير أطباق وسكاكين من حولي وقت الغذاء كل يوم وأتذكر أنني أخبروني قبل أن يغمي علي أن هنالك فردة حذاء قد إستقرت في وجهي حيث كانت قذيفة قوية تحاشتها والدتي ولم أتخيل أن والدتي سوف تتركني لمصيري المجهول مع هذه الفردة الغامضة.جاءت اللحظة الحاسمة عندما شاهدتني أمي أضع اللبن لجاك العظيم وتنبهت أن ملاكها الصغير ليس إلا شيطان صغير ماكر وبالفعل تم تنفيذ العقوبة حيث تم تعليقي علي شجرة التوت بجوار جاك العظيم حتي أكون عبرة لأخوتي كذلك فرصة رائعة لكي أقضي وقت أكبر مع كلبي وأنا معلق من أرجلي ووجهي يكاد يلمس الأرض بجوار جاك العظيم ,كانت فرصة عظيمة لجاك العظيم حيث إمتلأ وجهي من لعابه حتي يظهر مدي حبه لي حتي شعرت أنني أصبحت كلب مثله وليس صاحبه.مرت الأيام وكبر جاك وإنتقل إلي مرحلة جديدة وهي مرحلة اللحمة, تلك المرحلة

كانت صعبة جداً لأنني واجهت مشكلة كيف أوفر لة تلك القطعة من اللحم كل يوم ,ففي أول يوم وجدت أبي يضع قطعة لحم في الطبق الذي أمامه أثناء وقت الغداء وتخيلت صورة جاك العظيم وهو يئن من الجوع ووالدي يأكل لحمة بدلاً منه فشعرت في تلك اللحظة بظٌلم الإنسان لأخيه الحيوان فقررت خطف قطعة اللحم التي أمام والدي بأي طريقة فنظرت إلي أبي قائلاً : ــ بابا ألحق المطبخ مولع والنار في كل مكانفهرع والدي نحو المطبخ وأنا خطفت قطعة اللحم وهربت مسرعاً نحو جاك العظيم, كنت متصور أن الموضوع سوف يكون تعليق فقط علي شجرة التوت ولكن الموضوع تطور حتي أنني لم أستطع أن أتحرك من علي الفراش من كثرة الضربات التي تلقيتها كأنني كنت في حضن قطار يسير بسرعة الصوت , هم أخبروني بذلك بعد يومين من تلك المعركة التي خضها مع والدي ولم أشعر بشئ من بعد أول فردة حذاء تلقيتها في قفايا أثناء هروبي من والدي مثل الجدي الذي حاول أن يهرب من الجزار قبل ذبحه. لم أجد مبرر لكي ألقي حتفي علي يد والدي من أجل قطعة لحم أخري لجاك العظيم فقررت أن أواجه الحياة وأتسول من محلات الجزارة حيث كنت أمر عليهم أنا وجاك العظيم كل يوم لنجمع بعض العظام وقطع قليلة من اللحم حتي أصبحنا مشهورين لديهم وبذلك وصلنا إلي مرحلة الإكتفاء الذاتي.مرت الأيام وبدأ جاك العظيم يكبر وأصبح شاباْ يافعاً وكان ضخم الجسم مثل الأسد الجسور عظيم الشأن والهيبة وكنت أفتخر به كثيراً وهو يسير بجواري, أيقنت أن جاك ليس مثل تلك الكلاب الضالة بل من سلالة عريقة وعظيمة وكان يحبني كثيراً حتي أصبح يلازمني في كل مكان, كان هنالك علاقة خاصة بيني وبينه لا أستطيع أن أصفها ربما صداقة أو شيء أكثر من ذلكبدأ العام الدراسي الجديد وهنا ظهرت المشكلة أن جاك العظيم يرافقني مثل ظلي وأن مدير المدرسة كان رجلاً مٌكفهر الوجه عبوس ذو ملامح قاسية مٌتبلدة دائماً ولايطيق رؤيتي بأي شكل من الأشكال واعتقد انه كان دائم الدعاء بأنني أرحل من المدرسة قبل أن يصاب بأزمة قلبية أو شلل رباعي , ربما لأنني كنت من الطلبة المتفوقين في القفز من علي سور المدرسة وتكسير زجاج المدرسة بسبب مباريات الكُرة التي كنا نلعبها أثناء الدراسة حيث زملائي يدرسون داخل الفصل وأنا بجوارهم خارج المدرسة منهمك في تلك المباريات.في أول يوم دراسي تبعني جاك العظيم إلي مدرسة وعند بوابة المدرسة تحدثت مع صديقي جاك العظيم قائلاً : ــ جاك حبيب قلبي النهاردة أول يوم مدرسة يامعلم والناظر راجل غلس وبيموت فيه, أبوس رجلك أنا موش ناقص مشاكل و أجيب أبويا تاني يوم من أولها كده كفاية البلاوي بتاعة السنة اللي فاتتشعرت في تلك اللحظة أن جاك العظيم قد فهم رسالتي وسوف ينتظرني خارج المدرسة وبالفعل تركته وانا مطمئن أن بينا إتفاق جنتل مان ودخلت المدرسة حيث إنتظمت داخل الطابور ولم يمضي دقائق علي بداية الطابور حتي وجد جاك العظيم بجواري سعيداً بالطابور وأنه أصبح طالب مثلي في المدرسة وقد بدأ يندمج وأصبح ينبح ويصدح بصوته المميز مع النشيد الوطني مما لفت إنتباه المدرسين ومدير المدرسة صاحب الوجهة البشوش بسبب صوت جاك العظيم وضحكات الطلاب في الطابور الصباحي.لحظات ووجدت مدير المدرسة مثل سوبر مان يطير في الهواء بتلك العصاة ليطارد جاك العظيم مما جعل جاك العظيم يجري في كل مكان وأصبحت ضحكات أصدقائي وزملائي أكثر علواً ترج المدرسة رجاً من الكوميديا السوداء التي أعيشها في تلك اللحظات حتي شعرت أن جاك ظن أن المدرسة كلها تلهوا معه فأصبح هو الآخر يطير في الهواء مثل الفراشة ظنناً منه أنه يلهوا مع الجميع وخاصةً مدير المدرسة الذي كان يجري وراء جاك العظيم وعندما يقف جاك العظيم لينبح فيشعر المدير بالخوف فيهرب فيجري جاك العظيم ن ورائه ظنناً أن المدير سعيد به ويلهو معه حتي قرر المدير الإستعانه برجل ذو خبرة ليس فقط مع الكلاب بل مع كل الحيوانات التي نكتشفها في مدرستنا الغراء, إنه محمد الأسود تلك الشخصية التي كانت تمتاز بالجنون والهبل وبسبب شعره المنكوش ولونه الأسود الداكن ومعرفتنا بأنه فقد عقله أثناء الحرب وأصبح بدون عقل منذ تلك اللحظة.

محمد كان كثير الكلام مع نفسه فقط, كنا نجده دائماً منكوش الشعر يمسك بمقشة دائماً حيث يجوب الفصول لتنظيفها وكنا نحاول الإبتعاد عنه لأننا كنا نشعر أنه ملبوس من الجن والعفاريت, فما حدث له أثناء الحرب ووقوعه في الأسر والمشاهد التي رأها جعلته يفقد الكثير من التوازن النفسي بداخله.ظهر محمد الأسود كأنه مصارع أسود وأنه سوف يقهر جاك العظيم فخرج وبيده مقشة متجهاً إلي جاك العظيم وظن جاك أنه قادم ليلهو معه مثل الباقي ولكن عندما قذفه محمد الأسود بأول حجر علم جاك العظيم أن هذه المعركة معركة حقيقية وقرر الهجوم علي كل من المدير ومحمد الأسود ووجدنا كل من المدير ومحمد الأسود يجريان في فناء المدرسة وجاك من ورائهم حتي أمسك بتلاليب جلباب محمد الأسود ممزقاً ثيابه ولم يجد المدير حلاً سوي أن يطلب مني خروج جاك العظيم إلي خارج المدرسة وإلا سوف يبعث إلي والدي لكي يستلمني أنا والكلب من قسم الشرطة.إيقنت أن هذا اليوم سوف يكون أول وآخر يوم دراسي لي فقررت أن أخرج بجاك العظيم خارج المدرسة وأحاول أن أقنعه أن ينتظرني خارج المدرسة وشعرت أنه شعر ما يجول بخاطري أن مستقبلي الدراسي بين رجليه الأربعة فدخلت المدرسة وتركته في الخارج.لم تمضي أكثر من دقائق عند دخولي حجرة الدراسة حتي وجدت جاك العظيم بجواري داخل الفصل حتي وجدت المُدرسة تصرخ ولم أجدها علي الأرض بل قد تسلقت الدولاب الصغير كالقرد في ثواني معدودة فلم أتخيل تلك المدرسة الرقيقة التي نُتابع خطواتها وهي تتبختر في دلال ووداعة بثيابه الضيقة تلك أن تقفز بتلك السرعة إلي ذلك المكان المرتفع كأن جاك قد تحرش بها وفي ثواني وجدت ناظر المدرسة بداخل الفصل الدراسي وعندما وجد جاك العظيم بالداخل أمسك بذمام السروال وأطلق ساقية للعنان ثم عاد من خلف الشباك موجهاً كلماته لي قائلاً : ــ يا أنا يا إنت في المدرسة دي هو مافيش غيرك في المدرسة دي يابني أنا لو رفضوني حايكون بسببك إنت إطلع بره إنت وكلبك المتوحش ده وهاتلي أبوك بُكرة عشان أرفدك إنت وأبوكشعرت بالإحراج بين زملائي في الفصل كذلك جاك شعر بالإهانة عندما لم يشعر المدير بمشاعره الطفولية وفرحته بأول يوم دراسي له في حياته ومتي رغبته الصادقة. في الدراسة خرجت من المدرسة وأنا مُنكس الرأس أتسكع في الشوارع لأنني لا أجد مٌبرر لكي أُخبر والدي بما حدث وأنني بريء من تلك التهم التي إتهمني بها ذلك الناظر البغيض.أثناء تسكعي سمعت أذان صلاة الظهر فقررت أصلي الظهر داخل الجامع منها أقضي بعض الوقت داخل المسجد وأدعي ربنا يهدي والدي ويصدقني أنني برئ من كل تلك التهم.المشكلة هنا كانت في جاك العظيم كيف أقنعه أنه لا يمكن أن يدخل الجامع معي فنظرت إلية نظرة قاسية قائلاً له : ــ جاك هنا مافيش هزار ده جامع ربنا كفايه اللي حصل النهاردة في المدرسة ,أبويا حايعلقني من قفايا النهاردة بسببك لكن إلا جامع ربنا ده لايمكن يحصل أبداً علي جثتي تتدخل الجامع أنا داخل أصلي وأدعي ربنا إن علقة النهاردة يكون فيها أربع غرز بس , خليك هنا ماتتحركش من مكانك أبوس جزمة أبوك ياشيخدخلت الجامع وبدأت في الإندماج في الصلاة وعندما سجد بوجهي وبدأت في الدعاء وجدت جاك العظيم يلعق قفايا وكمية لعاب تنهمر علي حيث بدأ يجذبني من أذني لكي ألعب معه أو ربما يظن أنني نائم فيرغب في إيقاظي لكي نلهو سوياً ولم تمر ثواني حتي سمعت هرج ومرج داخل الجامع وأحذية وشباشب تقذف في كل إتجاه وجاك يجري في كل مكان ولا يريد الخروج من الجامع والإمام يهتف بصوت عالي قائلاً : ــ الله أكبر حي علي الجهاد هبوا يامسلمين أهجموا علي عدوا اللهفي الواقع لم أري شيء من كل هذا لأن جزء كبير من المصلين تركوا جاك وظنوا أنني المقصود بعدو الله فأنهالوا علي ضرباً علي قفايا حتي أن وجهي كان ملاصقاً للأرض وشعرت أن كل هذا الضرب لم يأخذه حمار في مطلع كوبري.كانت نتيجة تلك الموقعة التي كانت داخل المسجد أصابة الكثير من المصليين نتيجة الأحذية المتطايرة حتي يقال أن سيارة الإسعاف كانت تنقل المصابين وأنا في نهاية الأمر وجدت قفايا أصبح مثل الهضبة المرتفعة نتيجة الضرب المبرح لقفايا حتي أن سيارة الإسعاف رفضت علاجي أو حتي علاج قفايا الذي لم يكن له ذنب في كل ما حدث داخل المسجد.

مازلت أشعر بآثار تلك المعركة الحربية حتي الآن بالرغم أنني كانت النية سليمة عند دخولي المسجد والدعاء لله لكي ينقذني من براثن والدي.مرت الأيام وقد كبر جاك العظيم ولاحظت أن سلوكه وتصرفاته قد بدأت بالتغير حيث أصبح يقضي معظم وقته خارج المنزل وأصبح يعتمد علي نفسه في الغذاء وعندما نهرته عن ذلك إستمر في سلوكه حتي كانت الصدمة الكبري عندما وجده في الطريق العام أمام الجميع في وضع غير أخلاقي مع بعض الكلبات المومسات الغانيات الساقطات يلتفن حوله ينشدون نظرة منه وكلاب الحي لا تستطيع حتي الإقتراب من تلك الحاشية وقد لاحظت تدهور في صحتة البدنية حيث يقضي معظم وقتة في النوم من كثرة المجهود البدني مع تلك الساقطات الغواني.لم أجد مفر من أن أحاول أن أثنيه عن تلك الساقطات وأبلغته أنني سوف أبحث له عن كلبة محترمة من بيت عريق يتناسب مع وضعنا الإجتماعي بدلاً من الإنحراف في الأزقة مع تلك الكلبات الساقطات ولكنه إستمر في سلوكة المشين الذي لا يتناسب مع أخلاقي.بالرغم من تهديداتي له لم يعيرني إي إنتباه بل ذادت شراسته حيث أصبح قاتل محترف يقاتل الكلاب حتي الموت كأنه فان دام في فيلمه لا تراجع ولا إستسلام.كم من كلاب ماتت بين فكية نتيجة المحاولة فقط لهز ذيلهم لمعاكسة تلك الكلبات التي كانت تنتظرن دورهن في التقرب لجاك العظيم.ويذكر في بعض الروايات من أصدقائي أنهم شاهدوا بعض الكلبات كانت يغمن عليهن من الفرحة والسعادة الغامرة عندما يبدأ جاك في هز ذيله كبداية لفعل الفاحشة بجوار بيتنا الطاهر بيت صاحبه التي كانت أخلاقه يضرب بها المثل في الحي بأكمله.أصبح شرس لدرجة أنه كان يمنع أي شخص أو كلب يمر بالشارع الخاص بالبيت ماعدا تلك الكلبات الساقطات والتي أصبح جاك بلطجي من أجلهم وليس من أجلي أنا وهذا ما يجعلني أشعر بالمرارة لأن تربيتي له لم تنجح وتدليلي له كان السبب في فساد أخلاقه.جاك العظيم أصبح قوي لدرجة عدم قدرتي في التحكم فيه وأتذكر يوم لا ينسي عندما كان يجلس معي صديقي إبن الجيران وجاك بجوارنا وكان صديقي يرتعد من الخوف منه حتي قرر أن يعود إلي بيته خوفاً من جاك.أخبرت صديقي ألا يجري حتي لا يستفز جاك بل يمشي بخطي بطيئة لكي لا يستفز جاك ويجده قد قفز فوق ظهره ويحدث مالا يحمد عقباه.لكن صديقي من الخوف لم يستحمل ذلك وبدأ في الركض ظنناً منه أنه سوف يفلت من قبضة جاك ولكن جاك لم يمنحه فرصة فركض من ورائه وعاد صديقي إلي بمنزله فرحاً بأنه لم يصبه أذي من جاك ولكن وجد والدته تسأله عن السبب الدماء التي تنهال من مؤخرته فوضع يده علي أردافه فلم يجد الجانب الأيسر بل وجدها في فم جاك يلتهمها بسعادة بالغة.لم يستطع أي طبيب أن يفعل شيئ للأرداف صديقي سوي طبيب بيطري أجري له عملية خطيرة وصعبة حيث زرع له مؤخرة عجل صغير بدلاً من مؤخرته التي فقدها ومن يومها دائماً صديقي يشعر بالحنين عندما يمر بأي قطعة زراعية بها برسيم وهذا شيئ طبيعي لكونه أصبح جزء أصيل من العائلة الحيوانية.مازال صديقي هذا حتي الآن يتذكر مافعله جاك العظيم ويتلمس مؤخرته بحزن وشعوره الدفين بالفزع الشديد عندما يمر بجوار مجزر أو حتي محل جزارة.لم أكن أعلم أن هذه الحادثة سوف تغير مجري حياتي وحياة جاك حيث إكتشفت إختفاء جاك بعد فترة وبحثت عنه كثيراً في كل مكان حتي أرشدني صديق لي أنه وجد جاك مقتول ولم أستحمل منظر جثته وهي ملقاة علي الأرض حيث مات مقتولاً نتيجة الغدر حيث قرر أهل صديقي التخلص من جاك بوضع السم داخل قطعة لحم ولأني أعلم أن جاك يبيع أهله من أجل قطعة لحم فسال لعابه عندما رأي تلك القطعة وأكلها وكانت أخر قطعة لحم في حياته.جاك ضحي بحياته من أجل قطعة لحمة وهذا درس وعبرة لكل كلب أن يفكر ألف مرة قبل أن يأكل أي قطعة لحم من يد غريبة.أرقد في سلام يا جاك العظيم فقد عشت بطلاً مهياساً ومت بسبب الطفاسة ولكن الآن قصتك سوف تعيش للأبد وأعداءك سوف ينساهم التاريخ وبالذات هذا الصبي الذي إلتهمت ردفه بالهناء والشفاء.

تمت.


Comments


        رواية لعنة الجبل
         رواية بقايا رجل   

© 2023 by The Book Lover. Proudly created with Wix.com

  • Grey Facebook Icon
  • Grey Twitter Icon
  • Grey Google+ Icon
bottom of page